حب الارض و حب الوطن - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني

حب الارض و حب الوطن
التعلق بالجولان
مجيد أبو صالح* - 07\07\2010
الجولان عائد ، هذا ما نردده صباح مساء ، وهو ما اطلقه شعبنا منذ اليوم الاول للاحتلال ، والجولان الذي يحتل اعماق فكر وضمير شعبنا عودته حقيقة راسخة لا تهتز، وقد قالها ويقولها دائما قائد الوطن :(الحقوق لا مساومة عليها).

إني وقد تجاوزت السبعين من العمر أجزم بان الجولان عائد لوطنه الام سورية، وعليه فانا ساعود الى رائعته الجميلة، ابنة جبل الشيخ، مجدل شمس – ولعل ذلك سيكون قبل ان يعيدني خالقي اليه – الى تلك الشامخة التي رفضت هوية الاحتلال ومزقتها وفضلت عليها (المنية)، ورفعت شعار العودة لاحضان الوطن وقالت وتقول دائما انها: (لاتقبل عنه بديلا ) واثبتت وتثبت دوما وعمليا ما تقوله رغم بطش الاحتلال وعنصريته، فخاطبتها:

بنت المعمم، شيخ الجبال،على اقدام كبرك تنحني هامات عاديك
شمخت شموخه اذ رفضت ذلة، حاضر الاوطان موصول بماضيك

كل بقاع الجولان وترابه حبيبة الي، ولكل منها في النفس اكثر من ذكرى، هذا الوطن الصغير المحتل وهو الجزء من الوطن الكبير الغالي، لاشبيه له، لقد تنقلت في الكثير من بلاد العالم وكنت ابحث دائما عن شبيه لهذا الوطن الحبيب أو لأهله، فلم اجد، ان له ولهم الخصائص المختلفة في كل شيء، فوصفت نفسي:

قضى عمر الفراق تائها متحسرا لايستقر باحثا يبغي شبيها
لاعجبا ان هامت الروح بعد الموت عشقا لها او حبا بآليها

الجولان المحتل وكما وصفته في كتابة لي سابقة بانه (الارض التي نعشق، وهو ارض المطر والخصب والجمال)، فما التعلق به او ببقعة او مدينة فيه الا دليل التعلق بهذا الوطن كاملا وبعروبة هذا الوطن، وبعمق الانتماء له ولها:

نحبها ونجثوا خشعا عند اسمها (الجولان) عمق العروبة كامن فيها

ليس التعلق مفهوم عاطفي صرف، له عندي مفاهيم ودلالات كثيرة اخرى، انه الوطنية بمفهومها الشامل، حب الوطن والتعلق به والدفاع عنه، وهو امتلاء العقل والنفس والفكر بكل ما يهم الوطن اويحيق به، ويكاد يكون الوطن هو الهاجس الاول والاخير سواء كان المرء قادرا او لم يكن على العمل في حقله، انه الشعور بالمسؤولية، والحس الوطني، هو ذلك الشعور الجاد بها وبان المرء مسؤول عن كل ما يمس هذا الوطن او يسيء له ولو مجازا، كما انه شريك بكل ما يعود على هذا الوطن من رفعة وتقدم وازدها ر، فجولاننا الحبيب تحت الاحتلال الصهيوني العنصري البغيض، هذا الاحتلال، هم وعبء يحمله كل مواطن سوري بل كل عربي الى ان يتحررهذا الجزء. الوطنية والشعور بالمسؤؤلية لا تقبلان اللامبالاة اوالانتهاز والانانية، ان التزام الفرد والجماعة بالعمل في سبيل رفعة هذا الوطن وتقدمه هما المعنى الآخر للتعلق والوطنية.

اعود لارض جولاننا الحبيب، واعود لوصف التعلق بها وببقعة صغيرة منها، ولتلك الفترة في مطلع الشباب وبدء عنفوانه وقوته، وكنا مجموعة من رفاق الدرب والنضال والمصير، وقد ملأ حس الانتماء للعروبة كل مشاعرنا وجوانب فكرنا، وملأ الاحساس بالسعادة جوانب حياتنا لاسيما انها كانت فترة بداية النضال وانطلاق احلامنا آنذاك، و كان يجمعنا مكان على تل صغير مرتفع بعد ان يرخي الليل سدوله، متخذين مقاعد حجرية مجلسا لنا قبالة الحبيبة مجدل شمس، ومن هناك ايضا كنا نرقب الاضواء في بيوتها وهي تنطفيء واحدا بعد الآخر حين يخلد اهلها للنوم، مجد الشمس نفسها كانت تنام على ذلك السفح كالهلال، وكانت سماء الخريف غيمة قاصية واخرى دانية، وكان القمر يسطع بين هذه وتلك.

لايمكنني نسيان تلك الصور، كما ان مخيلتي لاتستطيع ان تستوعب انها الآن ارض محتلة، فهي لازالت عندي كما كانت آنذاك، ويؤلمني ان بعضا من الاحبة ورفاق الدرب والنضال وزملاء العمل قد غادروا الدنيا وتركوا الحياة، ابامحمود، رفيق الطفولة والصبا والنضال وزميل الوظيفة والعمل، السفير خزاعي ملي، تركنا ورحل، انه لا زال في مخيلتي وفي عقلي، لا اقبل موته ولا اصدق ذلك، مشيت في وداع جنازته وابّنته فيما بعد كمن يودعه عائدا اليها، الى تلك الجميلة، ملعب الطفولة والشباب، وملهمةالامل، مجدل شمس، فانا خلته قد سبقنا وعاد اليها ليجلس في مقاعدنا هناك قبالتها، عاتبته قائلا :

تعجلت ابا محمود! لتسبقنا اليها، وتشغل مقاعد الاحجار قبالاها
وترمي حملك فوق تربها وادعا، ندى الليل دثارك ونجمات سماها
غدا نأتي اليك فهيء مجالسنا واجمع لنا الاحباب اياها
أتذكر؟ انا عشقناها معا، رضعنا حبها سعدا وعشناه آها
شريك حبها، قد اشتقت اليك، وضاقت حنايا القلب شوقا للقياها
سلام، سلام، مني اليك، وبعد، سلام، سلام، من محب لمرآها

وها انا اليوم استبق تحرير الجولان واعود لقربها، لجوارها، الى مكان مرتفع يطل عليها، اسميته (الحدائق المعلقة) وبنيت عليها (بيتي وقبري) واسميتهما (فيلا مجد الشمس) وخاطبت الحبيبة قائلا:

بنيت جوارك بيتي وقبري، حيا اراك كما بعد الممات
شاخ الكثير من اجزاء ذاكرتي عدا ماكان عنك ومنك حياتي
انا الآن لارض العشق قد عدت، وبعد، تعود اليها رفاتي

* مجيد ابو صالح: ابن مجدل شمس. سفير سابق لسوريا في دول عديدة
نشر في جريدة الثورة السورية بتاريخ 07\06\2010